أبكيتك فأبكيتني
الحمد لله حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه وصلاة وسلاماً على أشرف خلقه وصفوة رسله وبعد
في جلسة روحانيه مع أزكى البشريه قال رجل : يارسول الله إني أحب فلان فقال له : إلحق بأخيك فأخبره .
وقال في حديث آخر ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لاظل إلا ظله وذكر منهم رجلان تحابا في الله إجتمعا عليه وتفرقا عليه ) وفي الحديث القدسي قال صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل ( المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء ... الحديث ) .
هذه مقدمة لإتصالٍ وردني من مكان بعيد لشخص لقلبي قريب أبى وبشده إلا أن يعبر عن مشاعره الرقيقة ، وأحاسيسه الجيَّاشة ليعزيني في فقيدنا الغالي ( أخي عبدالرحمن ) رغم السيل العارم من الإتصالات والرسائل التي لم تهدأ وداهمتني من كل حدبٍ وصوب إنتظر الفرصة المناسبة حتى يعبر عمَّا يدور في داخله إثر مقالٍ قد سطرته بالأمس ، إذ لم يدر بخلدي ولم يخطر ببالي أنه سيكون سبباً في ذرف دموع هذه القامة التي أقف أمامها وقفة إجلالٍ وإكبار ، فأيقنت وقتها فقط أني أمام ماهو أغلى من العملة النادرة طيبةً ودماثة أخلاق وصدق مشاعر ، رغم أَنه إعتلى أعلى المناصب في مهنته الشريفة وتخرج من تحت يديه الكريمتين آلاف وآلاف الطلبة الذين هم الآن لبنة صالحة في هذا الوطن المعطاء .
لم أكن أتوقع البتة أن أتجاذب أطراف الحديث مع بركان من الوفاء والصدق والعطاء ولاشك ولا ريب في ذلك فهو إبن لشيخٍ هو والدي يوم أن فقدت والدي رحمهما الباري جميعاً وهو إبنٌ لذلك الأسد الضرغام صاحب المواقف المشرفة والمجلس المفتوح والصدر الرحوب والرجولة التي عاشت في كنفه وسيرته حقبة من الزمن - فالإنسان قد يكون بإستطاعته أن يحصل ويستحصل على ما أراد كيفما أراد ومتى أراد بطريقةٍ أو بأخرى ولكن أن تأسر المشاعر وتأخذ بخطام القلوب وتنال إستحسان معظم البشر فهذا من الصعوبة بمكان وقد يكون مستحيلا والموفق من وفقه الله ، وكما قيل " رضى الناس غايةٌ لاتدرك " .
حادثني وكأنه ينتظر اللحظة التي ينفجر فيها باكياً ليؤكد لي أن كلماتي لامست شغاف قلبه الطيب وأني وقعت على الجرح وآلمته ، وأن شبح الحزن قد كدر صفوه وأن الكلمة الصادقة التي تخرج من القلب تصل للقلب بدون مقدمات ، وأيقنت أن جينات الطيبة ونبع التواضع تجري في عروقه الطاهرة الزكية ، نعم لقد أبكيتك بمقالي فأبكيتني بحديثك الشيق ودعواتك الصادقة التي تقطر صراحةً وصدقاً ومحبة وحركت في مشاعري المياه الراكدة وجعلتني أستل قلمي كالسيف البتَّار لأسطر لك حبي بشوق وإقتدار فأنت لذلك أهل يامن حديثك ألذ من طعم العسل.
أخي وأستاذي وتاج رأسي أتقدم إليك معتذراً طالباً العفو والصفح وكلي أمل أن تقبل إعتذاري مع قبلة وفاء على هامة رأسك فمثلي يقدم الأعذار ومثلك يقبل من الطيبين الأخيار ، أعتذر يوم أن أبكيتك وقد شارفت أن تعانق الستين من عمرك وإعتلى الشيب محياك ومعظم رأسك ، إعذر أخاك الصغير الذي لم يراعي مشاعرك ولم يعلم ويقدر أنك من كأس الفراق ولوعة الحرمان والألم قد شربت حتى إرتويت .
إلتمس لأخاك العذر فمقالي كنت أظنه كلاما عابراً قد تصفحت أفضل وأروع منه ومن إنتاجك ونتاج أبنائك الأوفياء وطلابك النجباء ، أعتذر وأعدك ألا أسطر أحرفي ولا أخرج قلمي من غمده حتى تأذن لي وأن أحترم مشاعرك الطيبة والنبيلة فسامحني وأعف عني عفى الله عني وعنك وعن جميع المسلمين .
فهنيئاً لأسرةٍ أنت لها راعٍ ومَثَلٌ يحتذى به وقدوة ونبراس ، وهنيئاً لقبيلة أنت لها مجدٌ وإحساس ، وللأمانة لم أكن أتوقع وأتصور أن لي بين جنبيك هذه المكانة وهذا القدر عند شخصك الكريم فرفع الله قدرك وأعلى مراتبك ومنازلك بالدارين ومن تحب يامحب .
وبالنهاية أظن أنكم مشتاقون وبالتأكيد متلهفون أن تعرفوا وتتعرفوا على هذا الأستاذ الفاضل والمربي المخلص وصاحب الإحساس المرهف بلا تعالٍ أو تكلف ، إنه أخٌ لأخي وهو أخ لصديقي ورحيمي وإبناً للخال الغالي صاحب القدر العالي رحمه الباري رحمةً واسعة وموتى المسلمين إنه الرجل الصادق والمحب الواثق إنه أخي وحبيبي:-
( حابش إبراهيم آل حابش العلياني ) أسعده الباري أينما حلَّ وإرتحل ومتعنا الله بوجوده أعواما عديدة وأزمنة مديدة وأبقاه لنا ذخراً ولأسرته وإخوانه ومحبيه سنداً وعوناً وجعلنا الله وإياه وإياكم من المتاحبين في جلاله وأن يظلنا بظلاله يوم لاظل إلا ظله وأن يجعلنا في هذه الدنيا ممَّن يذكر فيشكر وممَّن يترك أثراً طيباً في قلوب البشر قبل وبعد الرحيل .
بقلم أخوكم / فايز جابر آل تركي العلياني
المنطقة الشرقية - الدمام